مركز التعليم البيئي
بدأ مركز التعليم البيئي / الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة العمل في المسارات البيئية، والترويج للسياحة الخضراء منذ وقت مبكر عقب تأسيسه عام 1986، كبرنامج للعمل مع الأجيال الصاعدة "أطفال لأجل حماية البيئة" مع جامعة بيرزيت. ينظر المركز اليوم إلى المسارات البيئية باهتمام بالغ، باعتبارها رئة يتنفس من خلالها العاملون في حماية التنوع الحيوي، ومناطق الإرث الثقافي الطبيعي، لكنه في الوقت نفسه يخشى من فوضاها وعدم وضع ضوابط لها، فهي في هذه الحالة تتحول من فرصة إلى تهديد؛ بسبب المس بعناصر التنوع الحيوي، والقطف الجائر للنباتات النادرة، وغياب المرشدين والمشرفين المؤهلين، وغيرها.
يستضيف المركز في أعالي جبال بيت جالا، التي تعد جزءًا من جبال القدس الغربية، حديقة للتنوع الحيوي، ومتحفاً للتاريخ الطبيعي يضم نحو 2500 نوع طيور محنطة منذ القرن الماضي، ومعرضًا بيئيًا، ويفتح أبوابه كل يوم للزوار من المؤسسات والطلبة والباحثين والمهتمين والأجانب.
من القصص المهمة والملهمة، التي يستذكرها المركز أن أطفالًا زاروا مقره في حرم مدرسة طاليثا قومي قبل أكثر من 20 عامًا، ضمن برامج التعليم البيئي والهوية الوطنية والنوادي المدرسية، واليوم يعود بعضهم مع أطفاله لزيارة ثانية يستحضرون فيها ذكرياتهم، ويستردون ما تعلمونه عن التنوع الحيوي، ونباتات فلسطين الأصلية، وطيور، ويتجول مع أطفاله في متحف التاريخ الطبيعي، ويشاهدون معًا المعرض البيئي، بما يشمله من ألعاب ومعلومات، كما يدخلون إلى قلب محطة التحجيل الفريدة في فلسطين والمنطقة.

نريد سياحة مجتمعية تتعامل مع البيئة بإحساس عالٍ، وتصون التنوع الحيوي، ولا تمس بعناصره. نحلم بها سياحة لا تقطف الأزهار البرّية النادرة، ولا تدمّر موائل الطيور، ولا تقطع الأشجار الباسقة، بل تساهم في تكثيرها، ونثر بذورها، وغرس فسائلها، وحمايتها بكل السبل. نأمل في سياحة مجتمعية لا تُشعل النيران في الحقول والمناطق الطبيعية والمحميات، وسياحة لا تحوّل البرّية الجميلة إلى مكب للنفايات العشوائية، بل تُعلّم الأطفال أسماء المواقع، والأشجار، والنباتات، والطيور، وكل شيء. نريدها سياحة تُميّز بين ما يجب فعله وما لا يجب، سياحة تبتعد عن أشكال التخريب والعبث والفوضى، ولا تُلاحق الطيور، ولا تعتدي على أعشاشها، ولا تدمر موائلها، ولا تأخذ بيوضها، ولا تتاجر بها، ولا تحتفظ بها في أقفاص، بل تساهم في إعادة تأهيلها وإطلاقها إلى الحرية.
المرجو سياحة مجتمعية تُفضّل المحميات الطبيعية، وتنحاز للبرّية الجميلة على المدن المزدحمة، وتتمتع بهواء نقي، وتهرب من ضجيج المركبات، وتترك وراء ظهرها هموم الدنيا. نريدها سياحة مجتمعية تحب البيئة وتنحاز إليها، وتدافع عنها، ولا تساهم في تخريب كل لوحة جميلة.تتطلب السياحة المجتمعية مأسسة بنية تحتية، ومرافق خدماتية، وبيوت ضيافة، ومرشدين مؤهلين ومرخصين ومدربين، ومسارات محددة توضح المنحدرات الوعرة، وتفصل بخرائط الدروب.


بمقدورنا تطوير تطبيقات إلكترونية لسياحة مجتمعية لها الحق في التمتع بالطبيعة وجمالها، ولكنها في الوقت ذاته لا تُدمرها، ولا تشكل ضغطًا على عناصر البيئة، بل تكون سياحة جماعية ومجتمعية، وتساهم في عدم تسريب الأموال إلى خارج الوطن، وتجعل هاجسها الرئيس: لوطننا علينا حق في معرفة مواقعه، وترديد أسماء أزهاره، وحماية طيوره، وعدم المس بكائناته الحية الأخرى.
إنها سياحة مجتمعية مُتصالحة مع البيئة كفيلة بتحقيق قفزة كبيرة في صناعة وعي بيئي لا يقاس بعدم إلقاء النفايات العشوائية، أو تفادي حرقها فحسب، بل ينتقل ليكون جزءًا من الوعي والممارسة والتربيبة البيئية السليمة، ووقتئذ ستتحول السياحة المجتمعية المؤمنة بالبيئة إلى شيء مختلف من زواياه الاقتصادية والتعليمية والتنموية والثقافية.خلاصة القول، علينا دعم نمط سياحة مجتمعية ترتكز على حماية الإرث الثقافي الطبيعي، وهي أيضًا ابنة البيئة الوفية والبارة بها، والساعية بكل السبل لوقف التعديات على عناصرها، والعمل على استدامتها.