حارسات التراث

ريما أبو رحمة

"هالحرفة تراثية فلسطينية، بنتعلمها من أجدادنا، والنساء بدأوا ينقلوها لبعض ولبناتهم علشان نحافظ عليها قد ما نقدر، لأنها عقد ما هيا صعبة وبتاخد وقت، عقد ما هيا جميلة جدا."

السيدة انتصار أبو منديل، 50 عاما، من بئر السبع، تقطن حاليا في احدى المناطق الريفية بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وتمتهن حرفة صناعة الخوص (صناعة سعف النخيل).

أخذت انتصار هذه الحرفة عن والدتها، التي بقيت تراقبها أثناء طفولتها منبهرة بما تصنعه يدا أمها من مشغولات كانت وما زالت الأجمل بنظر انتصار، فتقول انتصار انها بدأت بالمراقبة فقط، ومن ثم محاولة تقليد أمها فصنعت بعض الغرز الغير دقيقة، لكنا كانت سعيدة جدا بها. وعند وفاة والدتها، بقيت تحتفظ بالأطباق التي كانت تساعد أمها بصنعها.

" قلت خسارة، هيك حرفة مميزة وحلوة ما يعرفوها الأجيال الجديدة، اتفقت مع جاراتي ورحنا تعلمنا مع بعض، صارت غرزتي حلوة زي امي ويمكن ازبط، والحين ولادي بساعدوني ونا بعمل، وبطلبو مني اشكال يمكن حديثة شوي، ونا بعملهم."

بدأت انتصار الحديث، وهي تمسك المسلة بيدها (ابرة تستخدم بصنع الخوص)، عن طريقة اعدادها للأطباق الجميلة التي كانت تعرضها أمامنا، مستعرضة صعوبتها وحاجتها لدقة شديدة اثناء العمل، والكثير من الساعات، حيث تقضي انتصار ما يقارب 8 ساعات يوميا منهمكة بالعمل، لمدة 4-5 أيام، إذا ارادت صنع طبق من السعف على سبيل المثال. تقول انتصار أن صناعة الخوص تعتبر احدى الحرف التراثية الفلسطينية العريقة، تميزت بها النساء الفلاحات تحديدا، والتي تعتمد على استخدام نبات الحلفة (البوص) بالإضافة الى سعف النخيل (الخوص) لصنع منتجات منوعة عن طريق تجديل الأوراق وتصميمها بطرق مخصصة، لاستخدامها لاحتياجات منزلية، للزينة، وغيرها. وتنتشر هذه الصناعة منذ بداية شهر فبراير حتى شهر إبريل، بسبب لين أوراق السعف بهذه الأوقات، وبالتالي سهولة تشكيله. " هاي حرفة مش سهلة، بدها انتباه وتركيز، كيفية عمل البداية، كيفية تدخيل البوص (الحلفة)، الحلفة بنستخدمها بالحشوة، هي نبات بطلع بأماكن معينة بالخلاء، بننشفها وبنستخدمها، والخوص بناخدو من منطقة معينة من قلب النخلة"

يتم استخراج الخوص من داخل أشجار النخيل، بطريقة احترافية بمساعدة مختصين من المزارعين، حتى لا تموت الشجرة. بعد استخراج الخوص، تقوم النساء بوضعه بالشمس، بمدة تتراوح من 5 – 10 أيام، حتى يجف. خلال هذه الفترة يراقبنه بشكل دائم، يقمن بتقليبه بالشمس، وتغطيته بساعات الليل حتى لا يتلفه الندى. بعد جفافه يتم وضعه بالماء لمدة 15-30 دقيقة، ومن ثم تنشيفه عن طريق لفه بقطعة قماش، ليصبح أطرى وأسهل بالتشكيل، وحتى لا تتكسر اوراقه اثناء العمل.

تقوم انتصار بصنع العديد من المنتجات باستخدام السعف، وبألوان مختلف، حيث يتم ادخال ألوان الصبغة أحيانا بهذه الحرفة، عن طريق غلي الخوص بألوان الصبغة لمدة نصف ساعة، ليتغير لونه، ويتم دمجه بالأطباق لإعطاء الشكل المطلوب. تعتبر الأطباق من منتجات السعف الأكثر شعبية، بسبب استخدامها من قبل النساء لوضع الخبز أو العجين، تقديم الطعام والفواكه والحلوى، وتزيين الجدران.ويتم حاليا صناعة أشكال مستحدثة من السعف، مثل المرايا، علب الأقلام، وعلب لتقديم مهر العروس أو خاتم الخطبة، "إيش ما يطلبو ولادي بجرب وبعمللهم، مرات صحابهم وناس من برا بطلبو، ورات بناخدو هدايا، معنديش مشكلة بالعكس بحب."يقوم أولاد انتصار الآن بمساعدتها على التسويق لمنتجاتها من سعف النخيل، وتأمل أن يزدهر عملها يوم ما لتستطيع مشاركة ما تصنعه مع جميع من المهتمين والمقدرين لهذا التراث الفلسطيني والمحبين لجماله.

محتوى المدونة من مسؤولية جمعية الروزنا وملتقى شباب بلا حدود -غزة ولا يعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد الاوروبي

Leave a Reply

Your email address will not be published.

Comment

Name

Email

Url