ميار سامي

مقدمة عن المشروع

اقتباسا من الاستاذ حمزة عقرباوي عندما قال "انا مش حكواتي انا بس بحب الحكي، واذا حكيت بسكتش." للكلام مكانة كبيرة للفلسطينيين، كما نعرف أن للحكايا مكانة تاريخية في التجمعات الاجتماعية.
مشروع فلسطين غير المحكية هو منصة رقمية للقصص الفلسطينية بطريقة مرئية وملموسة اكثر من مقروءة فقط. نؤمن أن لكل قصة أبطالها وبطلاتها، هدفنا الأساسي هو حكي القصص بطريقة تعبّر عن روح أبطال القصص وحياتهم وما يواجهون. والمصور والصحفي الفلسطيني ذروة عمله تكون خلال أيام الأحداث السياسية المؤلمة وخصوصا القصص التي تنتشر في أيام العدوان على قطاع غزة. وبالتالي يكون دخل المصور يعتمد على الوكالات الأجنبية التي تهتم فقط بصور المعاناة.
نحاول أن نوفر مساحة لنحكي فيها غير المحكي، لنحكي قصص الناس العاديين في الأيام التي نحاول أن تكون عادية. قصص العمل، الاكل، العائلة. المشترك بينهم هو التحديات اليومية الني يواجهها الفلسطينيون والفلسطينيات بمواقف وأحداث يومية تبدو عادية بظاهرها. نحكي قصص الفلسطينيين بكل أماكن تواجدهم، على أراضي فلسطين أو الشتات، بالشرق والغرب. نعمل مع شبكة مصورين ومصورات حول العالم.
مشروعنا ليس مجرد قصص مصورة، نحاول أن نفهم من أبطال وبطلات القصص بلغتهم الخاصة، قصصنا مليئة بضمير "أنا". نؤمن أن صاحب القصة هو الوحيد القادر على التعبير عنها وعن ذاته.

أهمية القصص للأجيال

نحن نعتبر أن هذا الوقت وهذه الفترة من الزمن هي فرصتنا الأخيرة لحفظ ملامح الأجيال التي سبقتنا والتي عايشت النكبة والنكسة، ولهذا نحاول أن نجمع أكبر عدد من الحكايا وخصوصا الصوّر التي تحفظ ملامح أجدادنا، آملين أن تشكل أرشيف سهل الوصول ومتاح للجميع، ليشكّل ذاكرة جمعية للأجيال القادمة. ذاكرة حقيقية مبنية على الرواية الصحيحة وبضمير المتكلم: أي بلغة أبطال القصة أنفسهم، انا ونحن.
وبكلمات الأديب سلمان منصور "ستأكلنا الضباع اذا فقدنا الذاكرة". وإيمانا بالمقولة أطلقنا مادة معرض تحت عنوان مسيرة العودة، يعتمد هذا المعرض على مجموعة من الصور لرجال ونساء عاشوا تهجير النكبة، نصوّرهم كمحاولة لسباق الزمن قبل أن تختفي ملامحهم عنا. هم الذين عاشوا التهجير والاقتلاع من أراضيهم، نجمعهم في صورة واحدة مع أحفادهم لإثبات أن الأجيال لا تنسى. إن الأجيال الجديدة شاهدة على الرواية الأصلية التي يحاول الاستعمار محو ملامحها.

فلسطين كمكان سياحي

عندما نتحدث عن السياحة، من المهم الانتباه والأخذ بعين الاعتبار السياحة الداخلية، هنالك العديد من المناطق الفلسطينية التي لا نسمع باسمها حتى ولا نعرف عنها أي معلومة. من المهم تداول قصص هذه المناطق، متى تم تهجيرها؟ من العائلات الأصلية لهذه المنطقة؟
نحن نفقد الأرض حين ننساها، ويصبح من السهل سرقتها لأنها لم تعد في ذاكرتنا وفي لغتنا اليومية. من المهم معرفة أن تداول قصص المناطق المنسية هو جزء أساسي ومهم لفتح باب الفضول للزوار والروّاد. في عام 2019 كانت منطقة واد قانا مهددة بالمصادرة، قامت مجموعة شبابية بالعمل على حملة رقمية وحملة زيارات متكررة للواد، رغم ان الزيارات كانت خطرة ولكن مع زيادة تداول قصة الوادي في كل مكان زاد فضول الناس مما زاد عدد الزوار. وتم تنظيم زيارات لمجموعات كبيرة ومعرفة قصة الواد والتعرف عليه وعلى جماله، واللقاء بالعشر عائلات المقيمة في الواد والتعرف عليهم وعلى حياتهم نشر قصصهم وصورهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد مجهود كبير تم تأجيل قرار المصادرة. استطاعت هذه المجموعة استرجاع ولو جزء بسيط من امتلاكها لهذه الأرض بعد تداول قصتها. وهذا مثال حيِ للمقولة التي تتداولها مجموعة تجوال سفر "تجول بالأرض تمتلكها".

تطبيق عملي

في فلسطين غير المحكية، نحاول العمل على نفس النهج. لاحظنا أن الحرف القديمة التي لا زالت موجودة في البلدات القديمة للمدن بدأت تضعف بعد سيطرة تطور المصانع عليها. ورغم ذلك لا يزال أصحاب هذه الحرف والمهن متمسكين بدكاكينهم وأدواتهم القديمة ومتمسكين بهذا التراث العريق رغم انه من المستحيل أن توفر لهم هذه المهن دخلا ماديا كافيا. ولهذا السبب في مشروع فلسطين غير المحكية نقوم بتنظيم جولات نطلق عليها اسم "صورة عالماشي"، هدفها الاساسي زيارة البلدة القديمة لمدينة معينة، تحت ارشاد مصوّر أو مصورة من السكان الأصليين لهذه المدينة. ليأخدونا معهم لزيارة الحرفيين كبار السن، لنسمع منهم قصتهم، نحاول دعمهم اقتصاديا، نصوّرهم صور تحكي قصص تجاعيدهم، محاولةً منا دعمهم على تمسكهم بتراثهم الجميل والمليء بالالوان الدافئة.

القصص والثقافة الجمعية

لاحظنا أثر القصص في تعزيز الثقافة الجمعية والتعاون المجتمعي، كثيرا ما نشرنا قصصا تحتوي على حالات تحتاج المساعدة، وفي كل مرة تنهال علينا الرسائل التي تطلب سبل التواصل مع أبطال هذه القصص لتقديم المساعدة لهم.
وايمانا بأهمية القصص والحكايا في الوعي الجمعي الفلسطيني ومحاولاتنا لتشجيع الناس على أرشفة الحاضر الذي سيصبح تاريخا في الأعوام القادمة، نعمل أيضا على دورات وتدريبات وجاهية والكترونية حول كيفية تحويل القصة من نص إلى صورة، لنترك ملامح الوجه ودفء المكان يحكي قصته بنفسه. شعارنا هو احكي المش محكي tell the untold. طريقنا لامتلاك الأرض هو عبر القصص والتجوال.

توصية بخصوص التضامن العالمي

أما بالنسبة للتضامن العالمي، علينا أن نعرف أننا لسنا بحاجة إلى سرد قصتنا بأي طريقة أخرى أو قولبتها في قوالب تناسب معايير المجتمع الدولي حتى نكسب التعاطف والتضامن. على التضامن أن يكون غير مشروط، وعلينا سرد قصصنا وحكايانا كما هي، بحلوها ومرّها، وبلغتنا الخاصة. ونقل تجرتنا كما هي وبشعورها الصادق لأننا لا نسرد إلا الرواية الصحيحة.
من التحديات التي يواجهها مصورينا في الميدان هو عدم إيمان أبطال القصص بقصتهم، وانها لا تحتوي من المعلومات ما هو مهم لنشره وسرده. أقوال مثل "مين انا عشان تنتشر قصتي واتصور؟". لكننا نؤمن أن هذه الصور والقصص مهمة كل على حدا، وأنها ستشكل في الأعوام القادمة توثيقا لليوم والبارحة. اليوم الذي يمر مسرعا لا ننتبه إلى تفاصيله الصغيرة سيكون تاريخا لن ينسى.

توصيات نهائية

- المشاركة في التجوالات قدر الامكان والتعرف على المناطق وسرد قصتها.
- أرشفة وتصوير أجدادنا وقصصهم ومحاولة تسجيل حكاياهم وسردهم صوتيا لتشكل توثيقا للماضي.
- قراءة الماضي وسماع القصص من المؤرخين والحكواتيين.
- بامكان كل هواة التصوير تقديم الصور والقصص والأفلام والمقالات المكتوبة لمشروعنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي جميعها أو على موقعنا الالكتروني في خانة المشاركة. ونقوم بعد ذلك بالتواصل لدراسة سبل التعاون والتطوير.