جمعية الروزنا
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) على أن لكل شخص حق المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية، وفي الاستمتاع بالفنون. أما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ESCR) ، فينص على حق المجموعات في تقرير مصيرها وللأفراد بالتمتع بالحقوق الثقافية بما فيها المشاركة في فوائد الثقافة والعلوم والتمتع بها، والتي تُعد جزءًا مهما من التناغم الاجتماعي وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحق في التعليم والحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ودون تمييز في الممارسات بحق فئات معينة أو إنتهاك حقوق الإنسان الأخرى.
خصص العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية المادة (15) من بنوده للحقوق الثقافية كالاتي:
1. تقر الدول الأطراف في هذا العهد بأن من حق كل فرد:
(أ) أن يشارك في الحياة الثقافية،
(ب) أن يتمتع بفوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته،
(ج) أن يفيد من حماية المصالح المعنوية والمادية الناجمة عن أي أثر علمي أو فني أو أدبي من صنعه.
2. تراعى الدول الأطراف في هذا العهد، في التدابير التي ستتخذها بغية ضمان الممارسة الكاملة لهذا الحق، أن تشمل تلك التدابير التي تتطلبها صيانة العلم والثقافة وإنماؤهما وإشاعتهما.
3. تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام الحرية التي لا غنى عنها للبحث العلمي والنشاط الإبداعي.
4. تقر الدول الأطراف في هذا العهد بالفوائد التي تجنى من تشجيع وإنماء الاتصال والتعاون الدوليين في ميداني العلم والثقافة
لازالت الحقوق الثقافية تحظى بأقل قدر من الفهم والتبلور من بين جميع الحقوق التي كفلها القانون الدولي وتتفاوت تعريفات الثقافة في النصوص الدولية. قدمت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها العام رقم 21 لسنة 2009، إرشادات مفصّلة للدول بشأن التزاماتها باحترام الحق في المشاركة في الحياة الثقافية وحمايته والوفاء به . كذلك أشارت اللجنة إلى أن هذا الحق يتضمن خمس صفات أساسية ومترابطة هي :
• توفر الخدمات الثقافية: ضرورة إتاحتها ليتمتع بها ويستفيد منها كل فرد، بما فيها المؤسسات والأحداث ( مثل المكتبات والمتاحف والمسارح)، والأماكن المفتوحة المشتركة، والسلع الثقافية غير المادية (مثل اللغات والعادات والمعتقدات).
• إمكانية الوصول: يشمل ذلك عدم التمييز وإمكانية الوصول المادي والوصول بالمنظور الاقتصادي والوصول إلى المعلومات والتي تكفل لكل فرد فرص فعالة وملموسة ومتاحة للتمتع بالثقافة من دون تمييز، بما فيها الوصول إلى المناطق الريفية والحضرية مع التركيز على الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن والفقراء.
• القبول: تقوم الدول باتخاذ التدابير اللازمة والمشاورات مع المعنيين من الأفراد والمجتمعات لضمان قبول التنوع الثقافي.
• القابلية للتكيف: ينبغي للدول اعتماد مقاربة مرنة إزاء الحقوق الثقافية، واحترام التنوع الثقافي للأفراد والمجتمعات .
• الملاءمة مع السياق ذي الصلة، مع الاهتمام بالقيم الثقافية المرتبطة بعدة أمور من بينها الاستهلاك الغذائي، واستعمال المياه، وطريقة تقديم الخدمات الصحية والتعليمية، وطريقة تصميم المساكن وتشييدها.
عرفت اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في العام 2003 التراث الثقافي غير المادي بالممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات - وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية - التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحيانا الأفراد، جزءاً من تراثهم الثقافي. ونوهت الاتفاقية الى أن هذا التراث المتوارث جيلا عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزز من ثم احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية. يتجلى التراث الثقافي غير المادي في التقاليد وأشكال التعبير الشفهي، بما في ذلك اللغة كواسطة للتعبير عن التراث الثقافي غير المادي، وفنون وتقاليد أداء العروض، والممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية. كما عرفت الاتفاقية الصون بالتدابير الرامية إلى ضمان استدامة التراث الثقافي غير المادي، بما في ذلك تحديد هذا التراث وتوثيقه وإجراء البحوث بشأنه والمحافظة عليه وحمايته وتعزيزه وإبرازه ونقله، لا سيما عن طريق التعليم النظامي وغير النظامي، وإحياء مختلف جوانب هذا التراث.
أصدرت اليونسكو العديد من الوثائق على شكل اتفاقيات أو إعلانات أو توصيات تعزز التنوع الثقافي بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتدرجت منذ العام 1950 وحتى الآن:
• 1950 اتفاق بشأن استيراد المواد التربوية والعلمية والثقافية ("اتفاق فلورنسا") وبروتوكول نيروبي الملحق به
• 1952 الاتفاقية العالمية لحقوق المؤلف
• 1954 اتفاقية حماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح
• 1970 اتفاقية حظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة
• 1972 اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي
• 2001 اتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه
• 2005 اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التنوع الثقافي
• 2003 اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي
عانت البشرية من ويلات وأضرار الحروب على التراث الثقافي والحضاري للشعوب والتي تعتبر أساس الحضارة والمدنية ومصدر لإشعاع المعرفة الإنسانية في جميع العصور. إن الأضرار التي تلحق بالممتلكات الثقافية التي يملكها أي شعب كان تمس التراث الثقافي الذي تملكه الإنسانية جمعاء، فكل شعب يساهم بنصيب في الثقافة العالمية، فالمحافظة على التراث الثقافي تُفيد جميع شعوب العالم وأنه ينبغي أن يكفل لهذا التراث حماية دولية.
فمثلا نصت المادة ( 27 ) من لائحة لاهاي لعام 1907 على أنه في حالات الحصار أو القصف يجب اتخاذ كل التدابير اللازمة لتفادي الهجوم، قدر المستطاع، على المباني المخصصة للعبادة، والفنون والعلوم والأعمال الخيرية والآثار التاريخية شريطة إلا تستخدم لأغراض عسكرية. أما المادة (56) فنصت على أنه يجب معاملة ممتلكات البلديات وممتلكات المؤسسات المخصصة للعبادة والأعمال الخيرية والتربوية، والمؤسسات الفنية والعلمية كممتلكات خاصة عندما تكون ملكاً للدولة. ويحظر كل حجز أو تدمير أو أتلاف عمدي لمثل هذه المؤسسات والآثار التاريخية والفنية والعلمية، وتتخذ الإجراءات القضائية ضد مرتكبي هذه الأعمال.
وحسب اتفاقية التراث العالمي 1972 يشمل التراث 3 عناصر رئيسية: تراث مادي (مباني عمرانية)، تراث غير مادي (هو الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات - وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية - التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحيانا الأفراد، جزءا من تراثهم الثقافي. وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلا عن جيل) والتراث الطبيعي تشمل المعالم الطبيعية، التشكلات الجيولوجيـة والفيزوبوغرافية والمواقع الطبيعية.
التراث الثقافي في فلسطين
عانت فلسطين بعد نكبة عام 1948 ليس فقط من تهجير سكانها بل كان هناك تدمير ممنهج وبقرار سياسي من اعلى المستويات بهدم وتدمير وحرق ونهب كل ما يتعلق بتراث الإنسان في فلسطين من خلال تدمير أكثر من 400 قرية فلسطينية في العام 1949/1950 ونهب مقتنياتها الثقافية بعد انتهاء كل مظاهر الصراع، بما فيها تدمير عشرات القرى ذات الطابع المعماري الفلسطيني المميز، مما أدى الى تشتت العديد من جوانب التراث الثقافي الفلسطيني (Al-Ju’beh, 2008). وبعد عام 1967 تميزت سياسة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة بمحاولة السيطرة على الأنشطة الأثرية، ومنعت الفلسطينيين من القيام بحفريات محلية، ووظفت العشرات من خبراء الآثار الإسرائيليين للبحث عن أي موقع يؤكد التاريخ التلمودي للشعب اليهودي في فلسطين، رغم أن القوانين الدولية تمنع أي حفريات أثرية تحت الاحتلال إلا لإنقاذ مواقع مهددة بالانقراض. خلال هذه الحفريات تم إهمال الكثير من الأدلة الأثرية للفترة الإسلامية والبيزنطية وغيرها. تنبه الفلسطينيون لذلك في السبعينيات من القرن الماضي خصوصا من خلال دوائر أو كليات الآثار في الجامعات الفلسطينية لكن لم يكن هناك مؤسسات وموارد تعمل على المستوى الوطني ولها سيطرة للتصدي للتوجه الإسرائيلي.
حصلت فلسطين على صفة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 2012 وكانت قد حازت على العضوية الكاملة في اليونسكو في عام 2011، وبالتالي أصبحت جزءاً من هذه الاتفاقيات. ومنذ ذلك الوقت عملت السلطة الوطنية الفلسطينية على حماية بعض عناصر التراث الثقافي المهدد مثل تسجيل البلدة القديمة في الخليل على قائمة التراث العالمي عام 2017 سبقها تسجيل كنيسة المهد وقرية بتير، اضافة لتسجيل الثوب الفلسطيني كأحد عناصر التراث الغير مادي.
معيقات الحفاظ على التراث الثقافي
بالإضافة الى إجراءات الاحتلال المباشرة في السيطرة أو تغير الملامح التاريخية أو جعلها مقتصرة على التاريخ اليهودي، فإن سياساته المختلفة ساهمت بشكل غير مباشر في تدهور أو تدمير العديد من المواقع التاريخية. فمثلا سياسة عدم منح تراخيص البناء وتوسيع الخرائط الهيكلية للسكن في المدن والقرى الفلسطينية أدى الى سوء استخدام لبعض المباني التاريخية وإجراء تعديلات على بعضها لمواكبة الزيادة في عدد السكان.
مع إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، استلمت الوزارات الناشئة التي في معظمها تأسست من الصفر، مقاليد الحكم ولكن ضمن سيطرة محدودة على مناطق (أ)، واستلمت بيئة قانونية مجزئة وقديمة في كافة المجالات وبدأت بإنشاء مجالس قروية وبلدية مختلفة في كافة المناطق التي تسلمتها، وبقيت مناطق التوسع العمراني للمدن والقرى الفلسطينية تحت سلطة الاحتلال في مناطق (ج) والذي لم يسمح لليوم سوى لعدد قليل منها بالتوسع. حدثت هناك طفرة في البناء في الفترة 1995-2000 في فلسطين والتي شكلت ضغطا كبيرا على مراكز المدن والقرى حيث تضاعف عدد المباني في فترة قصيرة دون وجود تخطيط استراتيجي أو رقابة عالية عليها، مما أثر سلبا على المناطق الأثرية والطبيعية.
تشكلت وزارتي السياحة والآثار والثقافة في تلك الفترة وحاولت وضع خطط واستراتيجيات لتعزيز وحماية الممتلكات الثقافية. ووجدت هذه الوزارات بيئات قانونية متعددة وقديمة ومجزئة حيث لا يوجد قانون موحد في فلسطين. تخضع المناطق الفلسطينية المختلفة في الضفة والقدس وقطاع غزة لقوانين متعددة مع سيطرة فلسطينية جزئية على السواد الأعظم من هذه المناطق. وبدأ المجلس التشريعي الفلسطيني الذي تأسس في آذار 1996 بإصدار التشريعات الأساسية، لكن لم تحظ الثقافة والتراث بالأولوية نظرا لتزاحم الأولويات. لكن ذلك العمل توقف منذ نهاية 2005 تمهيدا للانتخابات التشريعية ثم توقف تماما بعدها نتيجة الانقسام حتى تم حل المجلس التشريعي قبل عدة سنوات. كما أن تقطيع أواصر المناطق الفلسطينية بتقسيمات مختلفة وسيطرة الاحتلال على مناطق (ج) وتطبيق القانون الإسرائيلي في القدس الشرقية، وإعادة احتلال القوات الإسرائيلية لمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية بعد العام 2001، وضعت قيودا على دور السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية والذي أثر سلبا على التراث الثقافي والطبيعي في فلسطين.
بخصوص المشهد الثقافي، بالرغم من عدم ذكر الثقافة وصونها والمحافظة عليه في القانون الأساسي الفلسطيني والمعدل عام 2003، إلا أن إحدى مواده (مادة 35) تضمنت فقرة في قسم الرئيس: "... أكون مخلصاً للوطن ومقدساته، وللشعب وتراثه القومي ..." عام 2015 صدر قرار عن مجلس الوزراء رقم (14) بإنشاء مركز حفظ التراث الثقافي. تلاه في العام 2018 صدور القرار بقانون رقم (11) بشأن التراث الثقافي المادي. وبالرغم من أن القرار يعكس المواد المهمة في اتفاقية لاهاي (1945) واتفاقية 1970 بشأن الاتجار غير المشروع بالتراث، واتفاقية التراث العالمي (1972)، لكن لم يتبعه إعداد الأنظمة التفصيلية وتفعيله بالطريقة الصحيحة. من أهم ما يميز القانون تعريفه للممتلكات الثقافية المادية الثابتة أو المنقولة بأنها تراثاً إذا كان تاريخها يعود إلى ما قبل سنة 1917م، أو تمتعها بأهمية ثقافية، أو إقتصادية أو طبيعية. وهذا تطور إيجابي مقارنة بالقانون السابق الذي كان يعتبر المرجعية عام 1700م، مما يستبعد بوضوح أي مواقع أثرية أو تاريخية بنيت خلال الفترة العثمانية، وكذلك التحف والأشياء المنقولة، والمباني الدينية والمواقع الطبيعية. بقيت قضية الملكية الفردية للكثير من المباني التاريخية أو بعض المواقع الطبيعية تشكل صعوبة في الحفاظ عليها وتطويرها.
أما في أجندة السياسات الوطنية للاعوام (2017-2022 والمعدلة 2021-2023) فاعتمدت الحكومة الفلسطينية سياسة حماية الهوية والتراث الثقافي في فلسطين كأحدى السياسات الوطنية التي تساهم في تعزيز الصمود والتنمية.
فيما يتعلق بقانون التراث الثقافي الغير مادي، فما زال لم يقر بعد اضافة لعدد اخر من القوانين ذات العلاقة بالموروث الثقافي مثل حق المؤلف وغيرها.