د.زكريا سلاوده
يمكن تعريف المعارف المحلية على أنها مجموعة من المعارف الحيّة المتناقلة من جيل إلى جيل داخل مجتمع ما وأنها تشكل جزءاً من الهوية الثقافية والروحية لذلك الشعب. وتعتبر المعارف المحلية أو التقليدية حيّة لأن الذي يحملها هو النسيج الاجتماعي الحضاري الحيّ للمجتمع المحلي، كما وأن ملكيتها متاحة لكل أفراد المجتمع وتكون بمتناول الأنسان العادي دون الحاجة لتدخل مؤسسات الدولة وآليات السوق. إنها جزء لا يتجزأ من الثقافة السائدة في المجتمع. يتمثل هذا التراث الغني في اكتشاف الاستخدامات المختلفة للموارد المتاحة لكل مجتمع محلي من أجل إشباع الحاجات الإنسانية المختلفة، سواء أكانت هذه الموارد عبارة عن مكونات للتكوينات الجيولوجية أو مكونات للغطاء الطبيعي، النباتي منه والحيواني. كما وتمثل المعرفة التقليدية حصيلة الخبرات الطويلة للحضارات المختلفة في استئناس السلالات النباتية والحيوانية المختلفة.
على الصعيد الفلسطيني:
- هنالك المعارف التراثية المتعلقة بالأمثال والقصائد والأغاني التراثية والدبكة واللباس بأنواعه لكل منطقة، ومعارف دقيقة عن التصميم وعمل الرسومات المعبِّرة والتي لم يتم تعليمها في المدارس أو المشاغل وإنما توارثتها الأجيال.
- وهناك المعارف المتعلقة بالأدوات الزراعية كالمحاريث بأنواعها والفؤوس والمناجل والكرابيل والغرابيل وغيرها من الأدوات التي يحتاجها المزارع في مختلف مراحل الزراعة - من حرث ودرس - وأماكن التخزين وكيفية المحافظة على الحبوب طوال العام. وأعتقد أن الإبداعات التي تم ابتكارها في مجال الزراعة كانت من أكثر الأبداعات المتوارثة نظراً للحاجة من جهة، ونظراً للوقت والجهد المبذول من أجل الانتاج للحصول على الاكتفاء الذاتي طوال العام من جهة أخرى. فعُرِف كيف يُصنع الزبيب والقطين باستعمال المواد الطبيعية دون الحاجة الى أفران التجفيف، وعُرف كيف يكون محراث الحرثة الأولى وكيف يكون محراث الحرثة الأخيرة، كما أن التفاصيل في طريقة التصميم والعمل تتوائم والنظريات العلمية على الرغم من عدم معرفته بهذه النظريات.
- وفي المعارف البيئية، عُرفت أسماء النباتات وأماكن تواجدها والبيئة المناسبة وعُرف ما هو نافع منها وما هو ضار، ومتى تؤكل أو تستعمل للأدوية، وعُرف نظم الحصاد المائي وكيف يخطط له وكيف يُطبق.
- وعُرف عن المناخ والأمطار والثلوج، وهنالك الكثير من الأمثال المنقولة من جيل الى جيل ذات الدلالات الحقيقية مع معرفته لبعض المؤشرات الموجودة في الطبيعة ذات العلاقة بالظروف الجوية.
- كما عُرف أيضاً التداوي بالأعشاب أو الكيّ أو غيرها من المعارف التي تنُمّ عن معرفة تجريبية يقينية.
وعلى الرغم ما سبق، فإن الوضع الراهن للمعارف التقليدية في فلسطين غير مدوّن ويتناقص مع تناقص الأجيال القديمة، وهذا نابع من ضعف التواصل بين الأجيال لأسباب عديدة. كما أن المقررات الدراسية بجميع مستوياتها لا تشير الى ذلك بل هي نسخة متداولة لمنظومات التعليم الغربية.


إن الجهود المبذولة في التحديث ومتطلبات تنمية الريف الفلسطيني بكونه الحامل الحقيقي لتراث المعرفة التقليدي غير موجودة، وأن التعليم الرسمي يدفع الأجيال الجديدة بعيداً عن تراثنا الحضاري ومعارفنا التقليدية. فالشخص المتعلم من الريف سكن المدينة وانبهر بما هو غربي مستورد، واحتقر موروثه المحلي، وقطع تواصله الاجتماعي مع الريف وكأنه ليس له علاقة بتنمية المجتمعات الريفية، بل وأصبح هنالك نظرة خاطئة لما هو تقليدي، حتى وصل الأمر بأن يكون لدى البعض مشاعر من الخجل إذا ما أُشير اليه على أنه ريفي. يُضاف إلى ذلك، أن أسلوب الحياة في الريف أصبح أيضاً تقليد للنموذج الغربي من حيث نمط الاستهلاك، واهمال الكثير من المكونات النباتية والحيوانية التي كان لها الدور الرئيس في انتاج عناصر الحياة. فالمعارف المحلية يجب تطويرها والبناء على الموروث منها من خلال تحوير التقنيات الجديدة لصالح استمرار واستدامة تلك المعارف. فعلى سبيل المثال، تعتبر المساعدات التي تشهدها بعض التجمعات الريفية والبدوية على أنها دعوة واضحة لترك الفلاحة ومعاناتها والاعتماد على الأشياء الجاهزة، وهي في الحقيقة عبارة عن مقدمة لفصل سكان هذه التجمعات عن بيئتهم الحقيقية واهمالهم لمعارفهم وهويتهم المحلية وجعلهم مستهلكين غير منتجين أي الاعتماد على الاستيراد من الخارج.


ومن هنا أدعو مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات البحثية والرسمية إلى الأهتمام بهذا الأرث الثقافي والحضاري باعتباره نموذجاً تنموياً يتناغم والابعاد المختلفة من اقتصاد وبيئة وتعليم وثقافة.
مثال على المعارف المحلية – صناعة زبيب العنب
لقد تعامل المزارع الفلسطيني بالمواد الطبيعية التي تساعده على حفظ المنتوج الزراعي أو تحويله إلى حالة أخرى كي يسهل عليه البيع ويمكن كذلك تخزينه لمدة أطول. إن ما يلي تناقل لبعض المعارف، ومنها كيفية عمل الزبيب:
- يتم حرق عيدان العنب (العباري) الناتجة من التقليم لأخذ الرماد بعد تصفيته بحيث يكون ناعماً جداً
- وعاء يتسع لحوالي 7 - 10 لتر ماء فاتر بدرجة حرارة حوالي 40 درجة مئوية
- يُضاف إلى الماء ملعقتين كبيرتين من زيت الزيتون
- يُضاف إلى الخليط ملعقتين من الرماد الناعم الناتج عن حرق الغصون القديمة من العنب
- يتم خلط المزيج جيداً ليكون متجانساً
- يُغطّس قُطف العنب بالخليط المكوّن من الماء الفاتر + زيت زيتون + رماد أغصان العنب لمدة ما بين دقيقة إلى دقيقتين
- يتم إخراج القُطف أو القطوف من الوعاء وتوضع على شاش نظيف كما هي، ويتم تغطيتها بشبل ناعم بحيث لا يسمح للذباب أو البعوض الوصول إليها
- تُترك في الشمس لمدة أسبوعين ثم يتم أخذ حبات الزبيب من القطف وتُخزن بالشكل الجيد